فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا هو الوجه في تقرير هذا الدليل الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية، وقد تعلق بعض أغمار المشبهة وجهًا لهم بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى.
فقالوا: إنه تعالى جعل عدم هذه الأعضاء لهذه الأصنام دليلًا على عدم إلهيتها، فلو لم تكن هذه الأعضاء موجودة لله تعالى لكان عدمها دليلًا على عدم الإلهية وذلك باطل، فوجب القول بإثبات هذه الأعضاء لله تعالى.
والجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن المقصود من هذه الآية: بيان أن الإنسان أفضل وأكمل حالًا من الصنم، لأن الإنسان له رجل ماشية، ويد باطشة، وعين باصرة، وأذن سامعة، والصنم رجله غير ماشية، ويده غير باطشة، وعينه غير مبصرة، وأذنه غير سامعة، وإذا كان كذلك كان الإنسان أفضل وأكمل حالًا من الصنم، واشتغال الأفضل الأكمل بعبادة الأخس الأدون جهل، فهذا هو المقصود من ذكر هذا الكلام، لا ما ذهب إليه وهم هؤلاء الجهال.
الوجه الثاني: في الجواب أن المقصود من ذكر هذا الكلام: تقرير الحجة التي ذكرها قبل هذه الآية وهي قوله: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 192] يعني كيف تحسن عبادة من لا يقدر على النفع والضرر، ثم قرر تعالى ذلك بأن هذه الأصنام لم يحصل لها أرجل ماشية، وأيد باطشة، وأعين باصرة، وآذان سامعة، ومتى كان الأمر كذلك لم تكن قادرة على الإنفاع والإضرار، فامتنع كونها آلهة.
أما إله العالم تعالى وتقدس فهو وإن كان متعاليًا عن هذه الجوارح والأعضاء إلا أنه موصوف بكمال القدرة على النفع والضرر وهو موصوف بكمال السمع والبصر فظهر الفرق بين البابين.
أما قوله تعالى: {قُلِ ادعوا شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ} قال الحسن: إنهم كانوا يخوفون الرسول عليه السلام بآلهتهم، فقال تعالى: {قُلِ ادعوا شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ} ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلي بوجه من الوجوه، وأثبت نافع وأبو عمرو الياء في {كيدوني} والباقون حذفوها ومثله في قوله: {فَلاَ تُنظِرُونِ} قال الواحدي، والقول فيه أن الفواصل تشبه القوافي، وقد حذفوا هذه الياآت إذا كانت في القوافي كقوله:
يلمس الإحلاس في منزله ** بيديه كاليهودي الممل

والذين أثبتوها فلأن الأصل هو الإثبات، ومعنى قوله: {فَلاَ تُنظِرُونِ} أي لا تمهلوني واعجلوا في كيدي أنتم وشركائكم. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا}.
تَقْرِيعٌ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ عَلَى أَحَدٍ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ تَبِعَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ أَلْوَمُ مِمَّنْ عَبَدَ مَنْ لَهُ جَارِحَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا أَوْ يَضُرَّ وَقِيلَ: إنَّهُ قَدَّرَهُمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ لَهُمْ جَوَارِحَ يَتَصَرَّفُونَ بِهَا وَالْأَصْنَامُ لَا تَصَرُّفَ لَهَا، فَكَيْفَ يَعْبُدُونَ مَنْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالْعَجَبُ مِنْ أَنَفَتِهِمْ مِنْ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَةِ وَالدَّلَائِلِ الْبَاهِرَةِ لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، وَلَمْ يَأْنَفُوا مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا تَصَرُّفَ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} يعني: في حوائجكم {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} يعني: يعطون بها ويمنعون عنكم الضر {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا} يعني: عبادتكم {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ} يعني: دعاءكم وقد احتجت المشبهة بهذه الآية أن من لا يكون له يد ولا رجل ولا بصر لا يصلح أن يكون إلها.
ولكن لا حجة لهم في ذلك لأن الله تعالى بيّن ضعف معبودهم وعجزهم، وبيّن أنهم اشتغلوا بشيء لا فائدة فيه ولا منفعة لهم في ذلك.
ثم قال: {قُلْ} يا محمد يعني: لكفار مكة {ادعوا شُرَكَاءكُمْ} يعني: آلهتكم {ثُمَّ كِيدُونِ} يعني: اعملوا بي ما شئتم {فَلاَ تُنظِرُونِ} يعني: لا تمهلون ولا تؤجلون لأنهم خوفوه بآلهتهم قرأ أبو عمرو {ثُمَّ} بالياء في حال الوصل وقرأ الباقون بغير الياء. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} يعني الأصنام، يعني أرجل يمشون بها في مصالحكم.
{أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} يعني في الدفع عنكم.
{أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا} يعني مضاركم من منافعكم.
{أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} دعاءَكم وتضرعكم.
فإن قيل فلم أنكر عبادة من لا رجل له ولا يد ولا عين؟
قيل عنه جوابان:
أحدهما: أن من عبد جسمًا لا ينفع كان ألوم ممن عبد جسمًا ينفع.
والثاني: أنه عرفهم أنهم مفضلون عليها، فكيف يعبدون من هم أفضل منه. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ألهم أرجل} الآية، الغرض من هذه الآية، ألهم حواس الحي وأوصافه؟ فإذا قالوا لا، حكموا بأنها جمادات فجاءت هذه التفصيلات لذلك المجمل الذي أريد التقرير عليه فإذا وقع الإقرار بتفصيلات القضية لزم الإقرار بعمومها وكان بيانها أقوى ولم تبق بها استرابة، قال الزهراوي: المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم؟
قال القاضي أبو محمد: و{تتقون} بهذا التأويل قراءة سعيد بن جبير، إذ تقتضي أن الأوثان ليست عبادًا كالبشر، وقوله في الآية: {أم} إضراب لكل واحدة عن الجملة المتقدمة لها، وليست {أم} المعادلة لللألف في قوله أعندك زيد أم عمرو؟ لأن المعادلة إنما هي في السؤال عن شيئين أحدهما حاصل، فإذا وقع التقدير على شيئين كلاهما منفي ف {أم} إضراب عن الجملة الأولى.
قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي فرق معنوي، وأما من جهة اللفظ والصناعة النحوية فهي هي، وقرأ نافع والحسن والأعرج {يبطِشون} بكسر الطاء وقرأ نافع أيضًا وأبو جعفر وشيبة {يبطُشون} بضمها، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعجزهم بقوله: {قل ادعوا شركاءكم} أي استنجدوهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني، المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلهم، وسماهم شركاءهم من حيث لهم نسبة إليهم بتسميتهم إياهم آلهة وشركاء لله، وقرأ أبو عمرو ونافع {كيدوني} بإثبات الياء في الوصل، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {كيدون} بحذف الياء في الوصل والوقف، قال أبو علي: إذا أشبه الكلام المنفصل أو كان منفصلًا أشبه القافية وهم يحذفون الياء في القافية كثيرًا قد التزموا ذلك، كما قال الأعشى: [المتقارب]
فهل يمنعني ارتيادي البلا ** د من حذر الموت أن يأتين

وقد حذفوا الياء التي هي لام الأمر كما قال الأعشى: [الرمل]
يلمس الأحلاس في منزله ** بيديه كاليهودي المصل

وقوله: {فلا تنظرون} أي لا تؤخرون، ومنه قوله تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{ألهم أرجل يمشون بها} في المصالح {أم لهم أيد يبطشون بها} في دفع ما يؤذي.
وقرأ أبو جعفر {يبطُشون} بضم الطاء هاهنا وفي [القصص: 19] و[الدخان: 16].
{أم لهم أعين يبصرون بها} المنافع من المضار {أم لهم آذان يسمعون بها} تضرعكم ودعاءكم؟ وفي هذا تنبيه على تفضيل العابدين على المعبودين، وتوبيخ لهم حيث عبدوا مَنْ هم أفضل منه.
{قل ادعوا شركاءكم} قال الحسن: كانوا يخوِّفونه بآلهتهم، فقال الله تعالى: {قل ادعوا شركاءكم}، {ثم كيدوني} أنتم وهم {فلا تنظرون} أي: لا تؤخِّروا ذلك.
وكان ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، يقرؤون: {ثم كيدون} بغير ياء في الوصل والوقف.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: في رواية ابن حماد بالياء في الوصل.
وروى ورش، وقالون، والمسيِّبي: بغير ياء في الوصل، ولا وقف.
فأما {تنظرون} فأثبت فيها الياء يعقوب في الوصل والوقف. اهـ.

.قال القرطبي:

ثم وَبّخهم الله تعالى وسَفّه عقولهم فقال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} الآية.
أي أنتم أفضل منهم فكيف تعبدونهم.
والغرض بيان جهلهم؛ لأنّ المعبود يتصف بالجوارح.
وقرأ سعيد بن جبير: {إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم} بتخفيف {إن} وكسرها لالتقاء الساكنين، ونصب {عبَادًا} بالتنوين، {أمثالَكم} بالنصب.
والمعنى: ما الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم، أي هي حجارة وخشب؛ فأنتم تعبدون ما أنتم أشرف منه.
قال النحاس: وهذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها من ثلاث جهات: أحدها أنها مخالفة للسّواد.
والثانية أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ إذا كانت بمعنى ما، فيقول: إنْ زيد منطلق؛ لأن عمل ما ضعيف، وإنْ بمعناها فهي أضعف منها.
والثالثة إن الكسائيّ زعم أن إنْ لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى ما، إلا أن يكون بعدها إيجاب؛ كما قال عز وجل: {إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ}.
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} الأصل أن تكون اللام مكسورة، فحذفت الكسرة لثقلها.
ثم قيل: في الكلام حذف، المعنى: فادعوهم إلى أن يتّبعوكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أنهم آلهة.
وقرأ أبو جعفر وشيبة {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} بضم الطاء، وهي لغة.
واليد والرجل والأُذن مؤنثات يُصَغَّرْن بالهاء.
وتزاد في اليد ياء في التصغير، تردّ إلى أصلها فيقال: يُدَيّة بالتشديد لاجتماع الياءين.
قوله تعالى: {قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ} أي الأصنام.
{ثُمَّ كِيدُونِ} أنتم وهي.
{فَلاَ تُنظِرُونِ} أي فلا تؤخرون.
والأصل كِيدُونِي حذفت الياء لأن الكسرة تدل عليها.
وكذا {فَلاَ تُنْظِرُونِ}.
والكيد المكر.
والكيد الحرب؛ يقال: غزا فلم يلق كيدًا. اهـ.

.قال الخازن:

{ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها} يعني أن قدرة الإنسان المخلوق إنما تكون بهذه الجوارح الأربعة فإنها آلات يستعين بها الإنسان في جميع أموره والأصنام ليس لها من هذه الأعضاء والجوارح شيء فهم مفضلون عليها بهذه الأعضاء لأن الرجل الماشية أفضل من الرجل العاجزة عن المشي وكذلك اليد الباطشة أفضل من اليد العاجزة عن البطش والعين الباصرة أفضل من العين العاجزة عن الإدراك والأذن السامعة أفضل من الأذن العاجزة عن السمع فظهر بهذا البيان أن الإنسان أفضل من هذه الأصنام العاجزة بكثير بل لا فضل لها البتة لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإذا كان لا فضل له البتة ولا يضر ولا ينفع فامتنع بهذه الحجة كون الأصنام آلة ثم قال تعالى: {قل ادعوا شركاءكم} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين ادعوا شركاءكم هذه الأصنام التي تعبدونها حتى يتبين عجزها {ثم كيدون} يعني أنتم وشركاؤكم وهذا متصل بما قبله في استكمال الحجة عليهم لأنهم لما قرّعوا بعادة من لا يملك ضرًا ولا نفعًا قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل إن معبودي يملك الضر والنفع فلو اجتهدتم في كيدي لم تصلوا إلى ضري لأن الله يدفع عني، وقال الحسن كانوا يخوفونه بآلهتهم فقال الله تعالى: {قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون} أي لا تمهلون واعجلوا في كيدي أنتم وشركاؤكم. اهـ.